Saturday, April 5, 2008

لا تقتلوا حامل الرسالة

لماذا نتبنى نظرية المؤامرة لتفسير مصداقية أي شخص و إن كان يحدثنا يكل ماهو ظاهر للعيان؟؟... المتأمل لموقف الدكتور محمد القنيبط في مقالاته و في أحاديثه الإعلامية و في نقده لأداء مؤسسات الدولة ورجالها ربما يتفهم كيف اتخذ الدكتور موقف المدافع عن عدم وجود سبب شخصي في انتقاداته بدلا من مناقشتها بصورة موضوعية في حواراته الإعلامية و الصحفية، و الدكتور محمد متهم بترصد و ملاحقة وزارات معينة كالمالية و العمل و وزراء معينين في مقالاته و لقاءاته، وهو في الحقيقة يقدم لنا فرصة ذهبية لن تتكرر كثيرا في بلادنا، فالكثير من المتحدثين في الإعلام و الناقدين لسياسات الأداء في البلاد إما من غير المتخصصين أو من المجتهدين بلا علم حقيقي بخفايا الأمور وواقع الأحوال في مؤسسات الدولة الرسمية، بينما يتحدث الدكتور محمد كرجل علم و دولة مسؤول يحضر المجالس الرسمية على أعلى مستوى كمجلس الشورى و لجنة حقوق الإنسان و حتى الديوان الملكي و هو هنا يعتبر المواطن السعودي شريكا في الرأي و صناعة القرار حتى و إن لم يكن كذلك في واقع الحال، كما يقدم له عبر مقالاته -التي توقف عن كتابتها- والتي لايجد أجرا لائقا لها وعبر لقاءاته الإعلامية خلاصة تجاربه و انطباعاته المستقاة من عمله الرسمي عن سياسات الدولة الفعلية و عن عوائق الأداء الحكومي بما فيها بعض الأشخاص من الوزراء و المسؤولين، و في مجتمعنا الأبوي الذي لازال يبت فيه رأس القوم سواء الوزير أو المسؤول بالنيابة عن بقية الناس و بالرغم عن القوانين و السياسات الموضوعة الكثير من القرارات يبدو أمرا مستغربا للغاية أن يتم تجاهل المعلومات و الانطباعات الهامة التي يقدمها الدكتور، أو التعامل معه كمتحامل والتشكيك في دوافعه من محاوريه بدلا من التعطش المتوقع لتلك الفرصة لإزالة الرؤية الضبايبة التي تغلف التصريحات الرسمية أمام المواطن... وفي نظري فإن مجرد تحلي الدكتور بالشفافية و روح المواطنة بدلا من إيثار السلامة و ترك المركب تسري كغيره من المسؤولين تقدم لي كمراقبة للساحة فكرة ما عن دوافعه، و قد تابعت مقابلة الدكتور مع تركي الدخيل في برنامج إضاءات العام السابق كما تابعت هذا العام مقابلة تلفزيونية مشابهة في قناة الحرة في برنامج حديث الخليج و كلاهما يطرحان نفس الطرح مع اختلاف التوقيت وهو محاولة إثبات سلامة نية الدكتور في نقده لسياسات الاقتصاد و المال والعمل و في نقده لأسلوب عمل الوزراء المسؤولين عنها، وقد تنبأ الكثيرون بعد هذه المقابلات للدكتوربتجريده قريبا من جميع مناصبه، والعجيب أن الدكتور شخصيا تنبأ لنفسه بتلك النهاية عندما نشر مقال اعتزاله الكتابة قبل عام تقريبا و الذي تحدث فيه عن أسلوب القفاز الحريري الذي طلب منه بواسطته عدم تناول مواضيع تخص وزارة المالية و هيئة سوق المال و مؤسسة النقد وهو الاقتصادي المهني المتخصص و رئيس الجمعية السعودية للاقتصاد وهو أيضا ابن لهذا المجتمع الذي يقوم بواجبه في تناول قضاياه و همومه في أوقات يعاني فيها من انهيار سوق الأسهم وابتلاعه لمدخرات و ديون العديد من المواطنين و من ارتفاع معدلات التضخم و البطالة و بطء عجلة الاقتصاد و التنمية كنتيجة للإجراءات البيروقراطية العتيقة، و الأكثر غرابة هو اعتراف القنبيط بمدى اعتزاز القيادات العليا بعمله و إسهاماته و تطلعهم و الذي يماثل تطلعه لوطن تعم فيه الرفاهية حياة المواطن البسيط قبل القادر، و أتذكر الآن المثل الغربي القديم و الذي يعبر عما نفعله بحاملي الأخبار السيئة "لا تقتلوا حامل الرسالة" فهل هذا ما يفعله الآن الوزراء و المسؤولين مع القنبيط؟... إذا اختفى من بيننا مثل هذا الرجل فسيظهر غيره و ربما لن يكون بنفس الأمانة أو الصدق أو الرؤية الاقتصادية بل ربما لا من البيان سوى سحره فيستمع له عامة الناس في كلمة حق يريد بها باطل، فمالمانع من أن يوظف المسؤول النقد الهادف كوسيلة لتحقيق أداء وظيفي أفضل و يحرص على أصحاب الرؤية الناقدة كمصادر للدلالة على كفاءة أداء وزارته في وقت تقوم فيه مؤسسات الدولة في بلاد أخرى بتوزيع أوراق الاستفتاء و تقيم الفعاليات و الأنشطة لتقييم مستوى خدماتها و هناك من بيننا من يقدم للمسؤول تلك الخدمة بالمجان ثم يعاقب عليها، و ربما كانت المسألة أن بقاء المسؤول لدينا في منصبه مرتهن بصورته العامة و علاقاته و مدى نظرة القياديين له كشخص مثالي لا يخطيء و ليس كمسؤول دولة لتنفيذ خطط و أهداف وزارية معينة قد تنجح و قد تواجهها عوائق ما، و ذلك هو ما يؤاخذ عليه الدكتور القنيبط المسؤولين من الوزراء حيث لا يتم التعاون بين وزاراتهم وبين مجلس الشورى على الهدف الذي يحقق أداء أفضل، مذكرا بالهدف من إقامة مجلس الشورى كوسيلة لتقييم و مساءلة و تطوير أجهزة الدولة في أدائها، وهو ينكر أيضا على المجلسين (الشورى و الوزراء) عدم تلاقيهما لأوقات طويلة حيث يعمل الوزراء بمعزل عن الشورى و لا يتعاونون كثيرا معه في مساءلاته و اقتراحاته و أن البيروقراطية تؤخر إنجازات هامة للمجلسين... و التصريحات التي أثارت حفيظة المسؤولين و الإعلام معا عن أداء وزارات الدولة المعنية و التي نرى آثارها في الحياة اليومية لأي مواطن واضحة للجميع، أما لماذا لا تلزم القوانين العامة أحدا من المسؤولين والوزراء بالإجابة عن تساؤلات الشورى أو العودة إليه ولماذا لا توجد إجابة عن قصور الأداء المذكور من كل مسؤول ووزارة فذلك الذي لم يثر حفيظة أحد!!!...

No comments: