Saturday, April 5, 2008

حوار أم حرية؟

أثارت دعوة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله لإقامة مؤتمر عالمي للحوار بين قيادات و ممثلي الأديان السماوية تستضيفه المملكة العربية السعودية الكثير من ردود الأفعال، و بالرغم من كون تلك الدعوة حدثا غير جديد نظرا لمحاولات المملكة المستمرة -و على الأخص بعد أحداث سبتمبر الشهيرة- توضيح مباديء الإسلام الداعية إلى السلام و نبذ العنف و قيامها ببعض الإصلاحات الهامة في معالجة التطرف الديني إلا أن الكثير من الاحتمالات المتوقعة من عدد كبير من المراقبين تجعل من هذه الدعوة في هذا الوقت بالذات حدثا مشوقا لمتابعته، فالحوار الديني المزمع إقامته يتوقع له المراقبون أن يكون مدخلا لمناقشة الحريات الدينية في المملكة، و تزداد مؤخرا في الصحف العالمية نبرة مطالبة المملكة بإتاحة الفرصة للمقيمين من غير المسلمين بممارسة شعائرهم بكل حرية مما يعني بالضرورة السماح بإقامة أماكن العبادة على الأقل في الأماكن التي يتواجد فيها غير المسلمين - و هي كل مناطق المملكة سوى مكة و المدينة- و السماح لغير المسلمين باستضافة علمائهم الدينيين من خارج البلاد و باتخاذ المظهرالخارجي الذي يناسب اعتقاداتهم، و المؤيدين لهذا التوجه لهم بالطبع عدد من المبررات كتحسين صورة المملكة عالميا كدولة غير متطرفة و تحسين صورة الإسلام العامة كدين يسمح بالتعايش بين الأديان و يحترمها، و التماشي في ذلك مع ما توفره دول الغرب عامة للمسلمين من المقيمين و المواطنين من حرية في ارتداء ما يناسبهم و ممارسة شعائرهم و بناء مدارسهم و مساجدهم، و المتحفظين على مثل تلك الدعوات يقدمون في المقابل أسبابهم لعدم السماح للجاليات الغير مسلمة بحرية دينية -ظاهرة على الأقل- في تخوفهم من الترويج لدعوات غير المسامين و تأثيرهم على عقائد المسلمين في البلاد كما يتعللون بكون الفاتيكان لا يسمح بتعدد الأديان على أرضه مما يقدم نموذجا مشابها للوضع في المملكة، و هو ما يرفضه المطالبون بحرية الأديان في المملكة حيث يحصل المواطن السعودي من خلال التعليم الرسمي السعودي و من خلال برامج الإعلام الدينية على قسط وافر من التعليم و الثقافة الإسلامية مما يجعل من التأثير على عقيدته أمرا بعيد الاحتمال، كما أن الفاتيكان لا يعيش فيه أعداد كبيرة من غير المسيحيين كما هو الحال في المملكة التي يزيد عدد غير المسلمين فيها من المقيمين على بضعة ملايين، و في مواجهة هذه المطالبات لا يمكن بالطبع تجاهل خصوصية المملكة كمهبط للوحي و راعية أساسية للدين الإسلامي مما يجعل موقعها الديني في قلوب المسلمين عظيما بما لا يسمح ربما باتخاذها دورا راعيا ومماثلا لأي دين آخر، و هو أمر قد يجلب عليها تحاملا من غير المتفهمين لطبيعة دورها و مكانتها، و من الناحية السياسية فإن المملكة تصبح هنا بين خيارين إما إرضاء التيار العالمي لحصد المزيد من الدعم و تحسين الصورة العامة وهو ما اختارته العديد من الدول الإسلامية كتركيا مثلا و إما إرضاء التيار المحلي و الإسلامي و الاستمرار في منع الممارسات العلنية للأديان سوى الدين الإسلامي، و ككل القرارات السياسية هناك دائما حل وسط لإرضاء كل الأطراف، فالمحللون لتلك القضية و بالرغم من كونهم غير مقدرين ربما لطبيعة دور المملكة في العالم الإسلامي يطرحون بعض التوصيات الهامة و التي لا تتعارض إطلاقا مع هذا الدور، فلا يوجد عائق مثلا أمام المقيمين من غير المسلمين من ممارسة اعتقاداتهم بداخل محل إقامتهم ولا يوجد سبب أيضا يدعو إلى ملاحقتهم في الأماكن العامة مادام هناك التزام بالآداب العامة للبلاد و هو ما يحدث في غالبية المدن السعودية، وعلى ذلك فالمقيمون في المملكة و عائلاتهم يتمتعون بخصوصيتهم في مقار عملهم و إقامتهم و ممارسة شعائرهم بدون ضغط أو إجبار على اتخاذ دين آخر، و حيث كنت أعمل كان هناك العديد من غير المسلمين من جنسيات آسيوية و غربية يقيمون في مجمعات خاصة بهم لا يفرض عليهم فيها أي رقابة سوى الالتزام بالآداب العامة للبلاد، كما لم يكن مفروضا عليهم في أماكن العمل ارتداء زي معين سوى الزي الرسمي للعمل، و ربما كانت هناك بعض حوادث الاعتداءات اللفظية و غيرها من بعض المتطرفين و لكنها ليست السياسة العامة المتبعة من أجهزة الدولة مما يدعو إلى مراجعة و تحسين أداء الهيئات الدينية العامة العاملة بين أفراد المجتمع كهيئة الأمر بالمعروف في القيام بدعواتها الدينية و مسؤولياتها، بحيث يتم نبذ العنف و تحسين تأهيلهم و أسلوب التواصل مع عموم الناس و إعادة صياغة قوانين الضبط و الأحكام بما يتناسب مع روح الشريعة السمحاء و لا يجلب للسمعة العامة لبلادنا في الأوساط المحلية و العالمية المزيد من النقد و الإساءة ناهيك عن أثره على سمعة الدين الإسلامي، و يطرح المطالبون أيضا دعوات لإدماج أصحاب المذاهب الدينية المختلفة كالشيعة و الإسماعيلية و الصوفيين من أبناء الشعب السعودي في جميع مناصب الدولة الرسمية بلا استثناء و بالأخص في مناصب التعليم و العسكرية و الدبلوماسية الخارجية أسوة بغالبية المواطنين من السنة من شاغلي هذه الوظائف ، و لا جدال هنا أن فتح أبواب المناصب لأصحاب الكفاءات من أبناء هذا الوطن بغض النظر عن مذاهبهم الدينية هو أمر قد يسهم كثيرا في إضفاء الكثير من العدالة في التعامل بين فئات الشعب المختلفة كما يضيف إلى جودة الأداء في مناصب الدولة، و المفترض أن يمثل كل موظف في منصب عام توجهات الدولة و سياساتها العامة و لا يمثل توجهه الفكري أو مذهبه الديني الخاص... ليس هذا هو كل ما تثيره الأقلام عالميا و محليا في موضوع الحرية الدينية ولكنه أفضل ما يمكن تقديمه هنا لإثبات التسامح كمبدأ أساسي في الدين الإسلامي، و بالتأكيد سيكون حوار الأديان القادم خطوة قيادية شجاعة لمناقشة توقعات أصحاب كل ديانة من الأخرى و إبراز أوجه التشابه كما أوجه الاختلاف و الوصول إلى اتفاق عام، كما سيكون أيضا المدخل لمناقشة حرية ممارسة الأديان و الشعائر و تحديا لإبراز دور المملكة في بث مباديء التسامح الديني بدون أن تتخلى عن ثوابتها و مكانتها في العالم الإسلامي...

No comments: